لراينر شتاخ طريقة هزلية عند التعامل مع العبارات المُقتبسة، وفي هذا الكتاب "كافكا: السنوات الأولى"، يُصدِّر فصوله بمجموعة مُختارة من المأثورات التي. . . اقتطفها ببراعة من عدد جمّ من المصادر المغمورة. يحمل الفصل الأول مثلًا تصديرًا من أغنية لإحدي فرق الروك الأميركيّة في ثمانينيات القرن الماضي؛ ديفو، يقول: أتحسب أنّك سمعت كل هذا من قبل/ ستسمع الآن المزيد. هكذا هو اعتراف شتاخ الشيطاني أنّ الكتاب الحالي هو الجزء الأول من بين ثلاثة كُتب، نُشر الثاني والثالث أولًا. المزحة لا بأس بها، وهي تجعل القارىء يبتسم على ما سيتحوّل إلى رحلة طويلة لكن مثمرة جِدًّا؛ إذْ تكتمل بهذا الكتاب واحدة من أعظم السير الذاتية الأدبيّة في عصرنا- وفي الحقيقة، في أي عصر. تشرح مترجمة شتاخ المُخلصة؛ موفورة الموهبة؛ شيللي فريش، في مقدمتها للكتاب سبب تأخّر صدور الجزء الأول بقولها: "مردّ هذا الترتيب في الصدور، الّذي قد يبدو ضد المنطق- بل كافكاويًّا بامتياز- هو سنوات من المماحكات القانونية رفيعة المستوي للحصول علي حقوق الملكية الفكرية لمتعلقات ماكس برود الأدبيّة في إسرائيل، كان الوصول خلالها للوثائق التي تضمها، والتي يتعلّق أغلبها بسنوات تكوين كافكا، محظورًا علي الباحثين". في أغسطس/آب من العام الماضي أصدرت المحكمة العُليا في إسرائيل حكمًا ضد ورثة برود، وأمرت بنقل الوثائق المحجوبة إلي المكتبة الوطنية في القدس. تقول فريش أنّ شتاخ: "تمكّن من فحص ثلاثة مجلدات تضم يوميات برود داخل هذه المجموعة، والتي تغطّي الفترة من 1909 إلي 1911» ومن الجلي أنّ شتاخ اعتمد بشدّة علي اليوميات- لدرجة أنّ الكتاب ربّما يُنظر إليه خطأ على أنّه سيرة مُشتركة لفرانز كافكا وماكس برود. علي أية حال، يبقى لغز. ما دام كتاب شتاخ نُشر في الأصل في ألمانيا عام 2013، فكيف تمكّن إذن من الوصول إلى الوثائق التي لا غني عنها في أرشيف برود، في الوقت الّذي لم يصدر فيه أمر المحكمة بنشرها إلا عام 2016؟ ربّما يضيف مُلحقًا في طبعة مستقبلية يشرح فيه كيف تمكّن من ذلك؛ إذْ يبدو أنّ وراءها حكاية لطيفة تُشبه إلي حدٍّ ما أحداث رواية هنري جيمس أوراق أسبرن، رغم ذلك يأمل المرء ألا يجد شتاخ نفسه بأي مرحلة أثناء رواية الحكاية يصدر صفيرًا غاضبًا ويصيح: "ما تكتبه هراء!" كما فعل الراوي البائس في رواية جيمس القصيرة. ***ما تلاحظ فريش، تلقي الكافكاويّة بالكثير من ظلالها علي ملحمة أرشيف برود؛ إذْ لا يوجد إلا بعض الجوانب بشأن كافكا؛ كرجل وككاتب، لا تحظى بالبُعد الكافكاوي. ما احتمال مثلًا أن يحمل فنّان يجعل حيوانًا بطلًا، بل وراويًّا في الكثير من قصصه- لا سيّما بالطبع، التحوّل- اسمًا مشتقًّا على الأرجح من اسم طائر؛ فكلمة كافكا kavka هي المقابل التشيكي لغراب الزيتون. بل والأكثر فيما يتعلّق بمسألة الأسماء، يُبلغنا شتاخ: "كان لقب عائلة أمّ كافكا؛ آل لافيس، يشتهر لفترة ببورياس، علي اسم إله الرياح الشمالية، قبل أن يُصبح بورخيس لاحقًاط. يتساءل المرء إن كان كاتب القصص الخرافية الأرجنتيني العظيم كان على دراية بتلك الصلة الهشّة البدهية بسلفه التشيكي؛ ففي عالم كافكا كل شيء يبدو مستغربًا. يستهل شتاخ رواية حياة كافكا بأحد المشاهد التي يُعيد فيها اختلاق أجواء يوم مُعيّن ببراعة، واليوم في حالتنا هذه هو الثالث من يوليو/تموز 1883، والّذي كان: "يومًا صيفيًّا ساحرًا وصافيًا تهبّ فيه نسمات رقيقة عبر الشوارع الضيقة في المدينة القديمة ببراغ". كان شتاخ قد أفصح حين عمد أول مرّة لكتابة هذه السيرة الذّاتية منذ عقدين تقريبًا، أنّ هدفه هو الكشف: "عمّا يعنيه الأمر أن يكون المرء كافكا"، وواحدة من الإستراتيجيات التي يفي من خلالها بهذا الهدف بنجاحٍ هائل هي وضع القارىء مباشرة قدر الإمكان في عالم وزمن كافكا، كما يفعل في هذا الوصف الاستفتاحي البارع لليوم والمكان اللذين شهدا مولد كافكا: "كان اليوم هو الثلاثاء، ما يعني أنّه كان ثمّة الكثير جِدًّا من الحفلات العسكريّة في المتاجر. بدأ الهرج والمرج بالرابعة عصرًا بالنسبة للسائحين والطلاب والمتقاعدين في الحديقة الواسعة في صوفينينسل. أغلب الناس كان لا يزال أمامهم عدة ساعات أخرى من العمل، أمّا تلك الأرواح البائسة التي كانت تكسب قوتها من العمل في متجر فكان عليها الانتظار إلي ما بعد الغروب حتّي تنضم إلي الاحتفالات". ربّما كانت هذه افتتاحية تليق بإحدي روايات توماس مان أو روبرت موزيل التكوينية. لا تصنع آنية سرد شتاخ منه سردًا موحيًّا بصورة مبهرة فحسب، بل تجعله سهل القراءة درجة لا تُقاوم؛ لتشكِّل المجلدات الثلاث الضخمة عن كافكا عملًا أدبيًّا متقنًا وإشكاليًّا ومسليًّا شأن أي رواية. يكتب شتاخ: "ما من سيرة فكرية تدور أحداثها في الحاضرة البوهيمية يُمكن فهمها دون رواية تاريخ هذه المدينة والمنطقة المُحيطة". من ثمّ يعود أدراجه ليُحدد بدايات حكايته بدءً من معركة الجبل الأبيض بالقرب من براغ في نوفمبر/تشرين الثاني 1620، التي لقي فيها حلف الولايات الألمانية البروتستاتني الهزيمة علي يدّ الهابسبورج الكاثوليك. لم تستغرق المعركة التي شارك فيها الشاب رينيه ديكارت، أكثر من ساعتين ولم تزد عن مناوشة، رغم ذلك جرى الاحتفاء والتهليل لها بكل أرجاء أوروبا الكاثوليكية، لتستهل فترة عُرفت في تاريخ التشيك بوصفها "عصر الظلام" الّذي دام ثلاثة قرون. خلال العام التالي، أُعدم سبعة وعشرون بروتستانتيًّا بارزًا من بينهم يان جيسنيوس رئيس جامعة تشارلز في براغ، علنًا في ميدان البلدة القديمة، عقابًا لهم علي التمرّد والتظاهر ضد ضراوة آل هابسبورغ المتعمّدة. لا يزال أهل براغ لهذا اليوم يحملون ذكرى قوية لما شهدوه باعتباره تراجيديا الجبل الأبيض، وعن هذا يقول شتاخ: "في بعض أركان هذه المدينة، يستطيع التشابك بين الماضي والحاضر؛ الموت والحياة، أن يجعل حضور التاريخ مُخيفًا بشكل لا لبس فيه"ز كان آل هابسبورغ لا يزالون راسخين في السلطة عام 1883 حين ولد كافكا داخل بيئة هي مزيج من الاستياءات القديمة والرضا الراهن عن النفس. فعاني تمزّقًا بالغًا بموقفه إزاء مدينته. ولم ينقطع يومًا عن النواح على حياته هناك، مع ذلك كان عاجزًا عن الانتقال لأي مكان آخر. له عبارة شهيرة: "براغ لا تُفلتني؛ إذْ لدي هذه الأمّ الصغيرة مخالب". وإذا ما كان قد راود بوهيميا شعور الضحية والمنبوذة، فقد حمل كافكا عبئًا إضافيًّا كونه يهوديًّا في وسط أوروبا- رغم أنّه طالب أسيانًا أن يعرف ماهية المشتركات بينه وبين اليهود، في حين ما من شيء مشترك بينه وبين نفسه. لم يكن أسلاف والديه من أبناء براغ؛ إذْ ولد أبيه هيرمان في قرية بالقرب من ستراكونيتسه جنوب بوهيميا، في حين عاش أهل أمّه؛ آل لافيس، أجيالًا في بودبرادي، وهي بلدة تطل علي نهر إلبه "في ظلّ قلعة ضخمة". كانوا كما يكتب شتاخ: "عائلة من العلماء وغريبي الأطوار المكتئبين. ". تزوّج هيرمان كافكا ويوليا لافيس عام 1882، وأنجبا فرانز بالصيف التالي. يتعجّب المرء حين يتفحّص صور فرانز كافكا- وهناك عدد مذهل منها بالنسبة لشخص مثله اشتهر بالعزوف عن الأضواء- إزاء غياب الشبه تقريبًا بينه وبين والديه. هيرمان كافكا متين البنية ذو رأس مسطّح ووجه وعنق عريضين. نموذج مُطابق لشخصية بوزو في مسرحية في انتظار جودو، أمّا أبرز ملامح زوجته يوليا ففكها الطويل النحيل. كيف تمكّن هذان الزوجان من إنجاب ابن بالغ الضعف والطول والنحول درجة الهُزال؟ كأنّ هذا المخلوق الفريد صنيعة نفسه. يعجز المرء عن تصوّر شخص يُشبه فرانز كافكا- لا ريب أنّ شقيقاته الثلاث لا يُشبهنه في شيء، هذا إذا اعتبرنا الصور الفوتوغرافية دليلًا موثوقًا- فضلًا عن الحالات التي لا يُشبه نفسه فيها تمامًا. *** يكشف شتاخ عن حدب عميق على موضوع كتابه في طفولته. أدار والدا كافكا ما جرت العادة علي تسميته متجر خُردة في وسط براغ. كان هيرمان عدوانيًّا متقلّب المزاج، وكثيرًا ما كانت تصيبه نوبات غضب مفاجيء ويُنذر موظفيه علي الفور. لم يعش الصبيان اللذان ولدا ليوليا كافكا بعد فرانز طويلًا؛ إذْ مات جورج جرّاء الحصبة وعمره خمسة عشر شهرًا، ولم يعش الطفل التالي؛ هاينريش، سوى ستة أشهر قبل أن يموت بسبب التهاب السحايا: "لم تتمخّض تلك التقلبات المستمرة عن أجواء سادها الاضطراب والتوتر فحسب، بل أسفرت عن سلسلة من الافتراقات التي غرست داخل الطفل كافكا شكًّا عميقًا بتجانس العلاقات الإنسانيّة وحذرًا من عالم قد يتلاشي فيه كل من يألفهم أو يُحبهم على الفور، وإلي الأبد". بالنسبة لشخص حسّاس ككافكا، أو على الأقل كما قدّم نفسه كشخص حسّاس- يُمكن جِدًّا النظر إلى حياته في ضوء مُغاير للضوء الّذي سلّطه على نفسه- كان الهروب من الواقع هو الإستراتيجية الوحيدة المتاحة. يكتب شتاخ: "انساق بعيدًا عن الحياة باتجاه الأدب"، حدًّا جعله يُعلن وهو شاب راشد أنّه كان عبارة عن أدب، لا شيء آخر. رغم ذلك يستعرض شتاخ إمكانية أخرى مُثيرة علي طريقتها، حين يتساءل: "ماذا لو كان الأدب هو طريق العودة الوحيد المتيسر أمامه؟" رغم ذلك، ينبغي علينا أن نتحسس طريقنا بأناة خلال هذا المسار داخل أغوار ذات الكافكا الفنيّة والانفعاليّة، مستحضرين تشكك كافكا بالتحليل الفرويدي-"اعتبر الجزء العلاجي بالتحليل النفسي خطأ فادحًا. "- دون أن ننسي ما يشتهر باسم أمثال زوراو )ürau التي يُعلن فيها بحرارة غير معهودة: "لا سيكولوجيا بعد اليوم!» بالطبع، استحوذ تعليم كافكا الرسمي على أغلب هذا الجزء. قد يتوقّع المرء أنّ تكون سنوات دراسة فنان ذات أهمية عظيمة في سيرته الذّاتية، لكن نادرًا ما يكون الأمر كذلك، وسرد شتاخ لسنوات كافكا الدراسية ليس استثناءً. ربّما يعود السبب إلي أنّ تعليم فنّان هو في أغلبه سيرورة تُدار ذاتيًّا لا يدوّن الارتقاء بها عبر الانتقال بين الصفوف أو نتائج الامتحانات. إن كان هناك أجزاء سخيفة ومملة في الكتاب الّذي بين أيدينا الآن، فهي هنا، كما قد نخمِّن من عنوان الفصل السابع: "فرانز كافكا: طالب نموذجي». كان كاف Show.
كافكا : السنوات الأولي راينر شتاخ تحميل سيل
عنوان كتاب |
بحجم |
حلقة الوصل |
---|---|---|
كافكا : السنوات الأولي اقرأ من عند EasyFiles |
5.7 mb. | تحميل كتاب |
كافكا : السنوات الأولي تحميل من عند OpenShare |
3.3 mb. | تحميل حر |
كافكا : السنوات الأولي تحميل من عند WeUpload |
3.1 mb. | اقرأ كتاب |
كافكا : السنوات الأولي تحميل من عند LiquidFile |
3.6 mb. | تحميل |
عنوان كتاب |
بحجم |
حلقة الوصل |
---|---|---|
كافكا : السنوات الأولي اقرأ في ديجيفو |
5.7 mb. | تحميل ديجيفو |
كافكا : السنوات الأولي تحميل في قوات الدفاع الشعبي |
3.1 mb. | تحميل قوات الدفاع الشعبي |
كافكا : السنوات الأولي تحميل في odf |
5.9 mb. | تحميل ODF |
كافكا : السنوات الأولي تحميل في ملف epub |
5.9 mb. | تحميل ملف ePub |