ظلام مطبق على مرمى البصر. تعتاد عيناي الظلمة قليلًا فأجدني منفردًا وسط سهل مترامي الأطراف. ليس صحراويًا خالصًا، ولكن تلتقي فيه تربة سوداء خصبة بحا. . . فة صحراء قاحلة. ولكن. . كيف عرفت ذلك؟ بحدثي فقط؟ لست أدري. يا لها من ليلة حالكة الظلمة! تبددت في ظلمتها خيوط نور متسللة من هلال قارب المحاق. أستنشق بالكاد رائحة أرض طينية خصبة عامرة بطمي النهر، فلا أكاد أملأ منها صدري حتى تبددها هبات ريح تأتي من جهة الصحراء، حاملة مع هجيرها حبات رمل تلسع وجهي وذراعي. لماذا أشعر في قلبي ثقلًا وفي نفسي اكتئابًا؟ ربما تزعجني رؤية رمال الصحراء وهي تزحف على الخصب والنماء، فزحف الصحراء على الأرض الخضراء يذكرني دومًا بمأساة الوطن، تلك التي بدأت في سبعينات القرن الماضي ولم تنته حتى اليوم، حين زحفت الصحراء برملها الضنين على وادي النيل الخصيب، فبددت حضارة النماء بثقافة الفناء. تعتاد عيناي ظلمة الليل أكثر فأرى ما يجعل قشعريرة تسري من رأسي لأخمص قدمي، فالسهل المترامي أمام عيني كأنه شهد في صفحة النهار معركة ضارية. معركة ليست من زماننا! ففوق سمرة الطين التي وخطتها صفرة الرمال تناثرت جثث القتلى على مرمى البصر فضلًا عن جثث لخيل وجمال، يتخللها جميعًا حطام سيوف وهشيم رماح لوثها الدم، فقط حطام، فبعد معارك ذلك الزمان، كان المنتصر يرث ما كان صالحًا من السلاح، ولا يترك بين الصرعى غير سيف مكسور أو رمح ناصل. والقتلى في كل حال أكثر خلق الله جنوحا للسلم فلا حاجة بهم للسلاح ما صلح منه وما تحطم، فلا يعرف قيمة الحياة وروعة السلام أكثر ممن فقدها بنزوة سيف أو نزق سهم. الآن تتسلل لأنفي رائحة ثقيلة مميزة، رائحة الجيف البشرية، حين يتحول ابن آدم الذي تغذى على الطبيعة زمنا إلى وجبة لهذه الطبيعة نفسها، دورة الحي من الميت والميت من الحي اللا-نهائية التي أسس عليها الكون. ميزت مركز معركة النهار بكثافة الجثث المكدسة فيه، فاقتربت منه بخطوات زادت سرعتها، أشعر بخفة في خطاي، حتى شعرت كأني أقطع عدة أمتار بكل خطوة كأني أطير في الهواء! فهل يعني هذا أني في منام؟ هذا شعور لم آلفه في غير النوم. أتوقف عن سيري وقد خيل إلي أني أرى حركة بين الجثث، بل هناك حركة بالفعل، نسر جائع ينهش بطن فرس مبقور، لعله أول دفقة من بركان جوارح، ولعل الوليمة البشرية المضمخة بصلصة الدماء تمسي عشاء سائغا لسربه الذي طال جوعه في هذا القفر، وهكذا مصائب قوم عند قوم فوائد، وجثث قوم لقوم طعام، أليست النسور أمة مثلنا تسبح ربها؟ فلعلها حين تلحق بأولها تحمد الله على الرزق الوفير، ولعلها لو اشتد بها الجوع ذات يوم تدعو الله تضرعا لترزق بمذبحة يهلك فيها ألوف البشر. ولم العجب؟ فكم من خطيب خصص دعاء ختام الخطبة يوم جمعة لاستنزال الويل والثبور ومصائب الدهور على أمريكا وأوروبا وكل الدنيا حتى تعود لنا نحن الكسالى ريادتنا بمعجزة دامية. Show.
انهيار برج بابل إياد حرفوش تحميل سيل
عنوان كتاب |
بحجم |
حلقة الوصل |
---|---|---|
انهيار برج بابل اقرأ من عند EasyFiles |
3.3 mb. | تحميل كتاب |
انهيار برج بابل تحميل من عند OpenShare |
4.7 mb. | تحميل حر |
انهيار برج بابل تحميل من عند WeUpload |
3.6 mb. | اقرأ كتاب |
انهيار برج بابل تحميل من عند LiquidFile |
4.7 mb. | تحميل |
عنوان كتاب |
بحجم |
حلقة الوصل |
---|---|---|
انهيار برج بابل اقرأ في ديجيفو |
5.4 mb. | تحميل ديجيفو |
انهيار برج بابل تحميل في قوات الدفاع الشعبي |
3.2 mb. | تحميل قوات الدفاع الشعبي |
انهيار برج بابل تحميل في odf |
3.6 mb. | تحميل ODF |
انهيار برج بابل تحميل في ملف epub |
4.2 mb. | تحميل ملف ePub |